فصل: في الْمُوصِي يُقَدِّمُ في لَفْظِهِ وَيُؤَخِّرُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(في الرجل يوصي لوارثه ثم يولد له ولد فيحجب الموصى له):

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوَصَيْت لِأَخِي بِوَصِيَّةٍ وَهُوَ وَارِثِي، ثُمَّ وُلِدَ لِي وَلَدٌ فيحْجُبُهُ وَالْوَصِيَّةُ مِنِّي لَهُ إنَّمَا كَانَتْ في الْمَرَضِ أَوْ في الصِّحَّةِ؟
قَالَ: الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا وُلِدَ لَهُ فَصَارَ مُجِيزًا لَهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَالْأَخُ غَيْرُ وَارِثٍ فَهِيَ جَائِزَةٌ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ فيمَا بَلَغَنِي.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، عَلِمَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِامْرَأَةٍ بِوَصِيَّةٍ في صِحَّتِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: وَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ، أَيَجُوزُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ في ذَلِكَ إلَّا الثُّلُثُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ.
قُلْت: فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ؟
قَالَ: هَذَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ عُصْبَةً وَمَا أَشْبَهَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ أَبَاعِدَ فيمَا أَقَرَّ بِهِ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ وَلَدَهُ لَمْ يُتَّهَمْ وَجَازَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَبَوَيْهِ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ؟
قَالَ: أَرَى الْأَبَوَيْنِ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ، وَوَلَدُ وَلَدِهِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِلصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ مَعَهُمْ بِالدُّيُونِ.

.الرَّجُلُ يُوصِي فيعُولُ عَلَى ثُلُثِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ أَوْصَى في مَرَضِهِ فَعَالَ عَلَى ثُلُثِهِ، أَيَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، أَجَزْت لِلْمَرِيضِ إذَا عَالَ عَلَى الثُّلُثِ في قَوْلِ مَالِكٍ، وَالْمَرْأَةُ إذَا عَالَتْ عَلَى ثُلُثِهَا لَمْ تُجِزْ مِنْهُ شَيْئًا؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُرِيدُ الضَّرَرَ إنَّمَا يُرِيدُ الْبِرَّ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ، وَالْمَرْأَةُ صَنِيعُهَا كُلُّهُ إذْ زَادَتْ عَلَى ثُلُثِهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ ضَرَرٌ عِنْدَ مَالِكٍ، فَمَا كَانَ ضَرَرًا لَمْ يَجُزْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَازَ بَعْضُ الضَّرَرِ وَيُتْرَكَ بَعْضُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ - وَهُوَ قِيمَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ - وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِدَارِهِ - وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفُ دِرْهَمٍ - وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ سِوَى ذَلِكَ فَأَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ؟
قَالَ: يُقَالُ لَهُمْ: أَسْلِمُوا إلَى صَاحِبِ الدَّارِ مَبْلَغَ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ في الدَّارِ، وَأَسْلِمُوا إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مَبْلَغَ وَصِيَّتِهِ في الْعَبْدِ، وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: احْبِسُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّارِ.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَالدَّارُ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَالْعَبْدُ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فيكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالدَّارِ نِصْفُ الدَّارِ فَهَذَا ثُلُثُ الْمَيِّتِ، وَيَبْقَى في أَيْدِي الْوَرَثَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَنِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الدَّارِ، فَهَذَانِ أَلْفَانِ، أَلْفُ دِرْهَمٍ نَاضَّةٌ وَخَمْسُمِائَةٍ في الْعَبْدِ وَخَمْسُمِائَةٍ في الدَّارِ، فَهَذَانِ أَلْفَانِ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا الَّذِي آخُذُ بِهِ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِوَصَايَا ثُمَّ يُفيدُ مَالًا بَعْدَ الْوَصَايَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ يَوْمَ أَوْصَى ثُمَّ أَفَادَ مَالًا فَمَاتَ؟
قَالَ: إنْ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِمَا أَفَادَ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ نَفَذَ مَالُهُ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ يَوْمَ أَوْصَى، ثُمَّ أَفَادَ مَالًا بَعْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ، أَتَكُونُ وَصَايَاهُ في هَذَا الْمَالِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَقَرَّ وَصِيَّتَهُ فَهِيَ في مَالِهِ الَّذِي كَانَ في يَدَيْهِ يَوْمَ أَوْصَى، وَفي كُلِّ مَالٍ يُفيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِوَصَايَا فَوَرِثَ مَالًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ، أَيَكُونُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا في ذَلِكَ الْمَالِ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِثْلُ الْمِيرَاثِ، يَكُونُ بِأَرْضٍ قَدْ وَرِثَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فيهِ الْوَصَايَا، لَا عِتْقَ وَلَا غَيْرَهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَمَا أَوْصَى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فيهِ عَلِمَ بِهِ في مَرَضِهِ أَوْ غَيْرِ مَرَضِهِ، فَذَلِكَ سَوَاءٌ تَدْخُلُ الْوَصَايَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إلَّا الْمُدَبَّرُ في الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فيمَا عَلِمَ بِهِ وَفيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ في الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ دَارٍ أَعْمَرَهَا أَوْ أَرْضٍ حَبَسَهَا في صِحَّتِهِ فَرَجَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ فيهَا إذَا كَانَتْ تَرْجِعُ غَيْرَ حَبْسٍ، فَإِنَّ الْوَصَايَا تَدْخُلُ في ذَلِكَ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا رَجَعَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْبَاسُ مَالًا بَعْدَ مَوْتِهِ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَقَدْ اقْتَسَمُوا الْمَالَ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا لَمْ يَسْتَكْمِلُوا وَصَايَاهُمْ؟
قَالَ: يَرْجِعُونَ في هَذَا الَّذِي رَجَعَ مِنْ هَذَا الْحَبْسِ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ مَالًا لِلْمَيِّتِ، فيأْخُذُونَ ثُلُثَهُ وَهَذَا الْحَبْسُ إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ عُمْرَى أَوْ سُكْنَى هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَتَرْجِعُ فيهِ الْوَصَايَا، فَأَمَّا الْحَبْسُ الْمُبَتَّلُ فَلَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَلَا تَرْجِعُ فيهِ الْوَصَايَا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي الْمَدَنِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَجُلًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَالَ: عَلَى ثُلُثِهِ، ثُمَّ وُجِدَ لِلرَّجُلِ مَالٌ وَرِثَهُ مِنْ نَسِيبٍ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الثُّلُثِ: لِي في هَذَا حِصَّةٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ:
هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ ثَلَاثِينَ دِينَارًا؟ فَأَبَى، فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَبَانُ: خُذْ الثَّلَاثِينَ.
قَالَ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
الْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبَانُ: لَا ثَلَاثِينَ لَكَ وَلَا غَيْرَهَا، إنَّمَا أَوْصَى الرَّجُلُ فيمَا عَرَفَ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فيمَا لَمْ يَعْرِفْ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى عَلَيْهِ بِمَشُورَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ أَبَانُ: وَهُوَ الَّذِي نَوَى حِينَ أَوْصَى.
رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَمَكْحُولٍ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا فيمَا عَلِمَ مِنْ مَالِهِ.
مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ أَوْصَى بِالثُّلُثِ ثُمَّ قُتِلَ.
قَالَ: لَيْسَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ في رَجُلٍ أَوْصَى فَقَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ، وَقَدْ وَرِثَ رَقِيقًا بِالْيَمَنِ حِينَ قَالَ ذَلِكَ - لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ - قَالَ رَبِيعَةُ: هُمْ مَمْلُوكُونَ.
وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ عَلِمَهُ مِنْهُمْ، وَمَنْ غَابَ عِلْمُهُ عَنْهُ فَلَا يَعْتِقُ، وَقَالَ: لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يُوصُونَ فيمَا عَلِمُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
قَالَ ذَلِكَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَغَيْرُهُ.

.في رَجُلٍ أَوْصَى بِزَكَاةٍ وَلَهُ مُدَبَّرٌ وَأَوْصَى بِزَكَاةٍ وَبِعِتْقٍ بَتْلٍ وَبِإِطْعَامِ مَسَاكِينَ:

قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَيُوصِي بِزَكَاةٍ عَلَيْهِ وَيَتْرُكُ مُدَبَّرًا لَهُ في صِحَّتِهِ وَلَا يَسَعُ الثُّلُثُ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا يَفْسَخُ التَّدْبِيرَ شَيْءٌ، وَإِنَّ التَّدْبِيرَ في الصِّحَّةِ مُبْدَأٌ عَلَى الزَّكَاةِ وَعَلَى الْعِتْقِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَفْسَخُهُ شَيْءٌ وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ أَنْ يَرْجِعَ في تَدْبِيرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يَرْجِعَ فيهَا قَبْلَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ.
وَلَمْ يَرَهُ مِثْلَ مَا أَعْتَقَ وَبَتْلُهُ في مَرَضِهِ.
وَقَالَ: الزَّكَاةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى الْعِتْقِ الْمُبَتَّلِ في الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُدَبَّرُ في الصِّحَّةِ مُبْدَأٌ عَلَى الزَّكَاةِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالزَّكَاةُ في الثُّلُثِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ مُبْدَأَةٌ عَلَى الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ إلَّا التَّدْبِيرَ في الصِّحَّةِ، وَهِيَ وَالزَّكَاةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى التَّدْبِيرِ في الْمَرَضِ قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِضَ مَرَضًا فَجَاءَهُ مَالٌ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ، أَوْ حَلَّتْ زَكَاةُ مَالٍ لَهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَأَمَرَ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ، أَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ في ثُلُثِهِ؟
قَالَ: لَا، إذَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا، فَأَرَاهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ في ثُلُثِ مَالِهِ كُلَّمَا فَرَّطَ فيهِ في صِحَّتِهِ حَتَّى يُوصِيَ بِهِ فيكُونَ في ثُلُثِهِ، كَذَلِكَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِزَكَاةٍ عَلَيْهِ وَبِأَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ الْمَسَاكِينَ مِنْ نَذْرٍ وَاجِبٍ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مَنْ الْوَاجِبِ، أَيَكُونُ في الثُّلُثِ أَمْ في رَأْسِ الْمَالِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلْ في الثُّلُثِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ أَوْصَى فَقَالَ: حُجُّوا عَنِّي حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَأَوْصَى بِعِتْقِ نَسَمَةٍ لَيْسَتْ بِعَيْنِهَا، وَأَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرُوا عَبْدًا بِعَيْنِهِ فيعْتِقُوهُ عَنْهُ، وَأَعْتَقَ عَبْدًا في مَرَضِهِ فَبَتَلَهُ وَدَبَّرَ عَبْدًا وَأَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ، وَأَوْصَى بِزَكَاةٍ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَأَقَرَّ بِدُيُونٍ لِلنَّاسِ في مَرَضِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الدُّيُونُ مُبْدَأَةٌ كَانَتْ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ أَوْ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ وَالْمُدَبَّرُ جَمِيعًا مَعًا لَا يُبْدَأُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ثُمَّ الْعِتْقُ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى بِعَيْنِهِ جَمِيعًا لَا يُبْدَأُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ: ثُمَّ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ الْحَجُّ وَالرَّقَبَةُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ لِمَنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ أَخْذُهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ رَجَعَتْ مِيرَاثًا إلَّا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِهَا قَبْلَ الْوَصَايَا، ثُمَّ تَكُونُ الْوَصَايَا في ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَهَا.
ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ رَبِيعَةُ في الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ خَطَأً فيمُوتُ الْقَاتِلُ وَعَلَيْهِ رَقَبَةٌ.
قَالَ: تِلْكَ الرَّقَبَةُ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَوْصَى بِهَا وَيُبْدَأُ الدَّيْنُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فيمَنْ أَوْصَى بِزَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ.
قَالَ: هُوَ مِنْ ثُلُثِهِ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَنْ يُعْتَقَ وَهُوَ قَدْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَأَعْتِقُوهُ عَنِّي وَقَالَ: أَعْتِقُوا عَبْدِي فُلَانًا بَعْدَ مَوْتِي، فَأَيُّهُمَا يُبْدَأُ؟
قَالَ: بِهِمَا جَمِيعًا في الثُّلُثِ، لَا يُبْدَأُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ: أَعْتِقُوا فُلَانًا لِعَبْدٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، وَقَالَ: اشْتَرُوا نَسَمَةً فَأَعْتِقُوهَا عَنِّي، بِأَيِّهِمَا يُبْدَأُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بِالْعَبْدِ الَّذِي بِعَيْنِهِ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِالنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُوصِي بِالنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ؟
فَقَالَ: يُبْدَأُ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ الَّذِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ: وَكَلَّمْتُهُ في ذَلِكَ في غَيْرِ مَرَّةٍ فَرَأَيْتُ قَوْلَهُ أَنَّهُ يُبْدَأُ في جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْفُقَرَاءِ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ رَجُلًا قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ في رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْيَتَامَى.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَرَهُ أَثْلَاثًا وَذَلِكَ رَأْيِي.
قُلْت: هَذَا لَا يُشْبِهُ مَسْأَلَتِي؛ لِأَنَّ مَسْأَلَتِي قَدْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلِلْمَسَاكِينِ، فَلِمَ لَا يَجْعَلُ لِهَذَا الرَّجُلِ نِصْفَ الثُّلُثِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ عِنْدِي نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ وَلِلْمَسَاكِينِ، فَلَا أَرَى لَهُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يَنْظُرَ في ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِعِتْقِ عَبْدِهِ إلَى أَجَلٍ وَلِرَجُلٍ بِثُلُثِهِ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ بِشَهْرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِنْ مَالِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ثُلُثُ الْمَيِّتِ في الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَهُ إلَى أَجَلٍ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: إنْ شِئْتُمْ فَادْفَعُوا الْمِائَةَ إلَى الْمُوصَى لَهُ أَوْ الثُّلُثَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ وَخُذُوا خِدْمَةَ الْعَبْدِ إلَى الْأَجَلِ، فَإِنْ أَبَوْا كَانَتْ الْخِدْمَةُ لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْأَجَلِ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَجَلِ كَانَ مَا تَرَكَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا الَّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ بِالْمَالِ، فَقَدْ صَارَ الْعِتْقُ هَهُنَا مُبْدَأٌ عَلَى الْوَصَايَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ، وَصَارَتْ الْخِدْمَةُ الَّتِي في ثُلُثِ الْمَيِّتِ - وَهُوَ الْعَبْدُ - لِأَهْلِ الْوَصَايَا إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ، فيدْفَعُونَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ كُلَّهَا وَيَكُونُ لَهُمْ الْخِدْمَةُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةٌ الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُنَفِّذُوا مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْتِقُوا مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ الْعَبْدِ بَتْلًا، وَتَسْقُطُ الْوَصَايَا لِأَنَّ الْعِتْقَ مُبْدَأٌ عَلَى الْوَصَايَا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا.

.في الرَّجُلِ يُدَبِّرُ عَبْدَهُ في مَرَضِهِ وَيُعْتِقُ آخَرَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ في مَرَضِهِ وَقَالَ لِآخَرَ: إنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ فَهُوَ حُرٌّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُبْدَأُ الْمُدَبَّرُ، وَهُوَ قَوْلُ الرُّوَاةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا إلَّا أَشْهَبُ فَإِنَّهُ يَأْبَاهُ.

.في الرَّجُلِ يَبِيعُ عَبْدَهُ في مَرَضِهِ وَيُحَابِي في بَيْعِهِ وَيُعْتِقُ آخَرَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ في مَرَضِهِ عَبْدًا وَحَابَى فيهِ - وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الثُّلُثُ - وَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ - وَقِيمَةُ الْمُعْتَقِ الثُّلُثُ - بِأَيِّهِمَا يُبْدَأُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الَّذِي يُوصِي بِوَصِيَّةٍ في مَرَضِهِ وَيُوصِي بِعِتْقٍ: إنَّ الْعِتْقَ مُبْدَأٌ وَلَمْ أَسْمَعْ في الْبَيْعِ شَيْئًا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ، وَأَرَى الْبَيْعَ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ، وَمَا حَابَى بِهِ في الْبَيْعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ مَا حَابَى بِهِ إنَّمَا هِيَ هِبَةٌ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الْمُحَابَاةِ في الْمَرَضِ: إنَّمَا هِيَ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ قَوْلُ الرُّوَاةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِعِتْقِ عَبْدِهِ في مَرَضِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُعْتِقُ آخَرَ عَلَى مَالٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: عَبْدِي مَيْمُونٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، وَعَبْدِي مَرْزُوقٌ حُرٌّ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى وَرَثَتِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالثُّلُثُ لَا يَحْمِلُهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَحْمِلُهُمَا، كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الَّذِي يُوصِي بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ وَيُوصِي بِكِتَابَةِ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ: إنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ يُبْدَأُ بِهِ عَلَى الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ، فَأَرَى هَذَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْوَرَثَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ يُعْطِيَ لِآخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إنْ عَجَّلَهَا تَحَاصَّا في الثُّلُثِ - هُوَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ - بِغَيْرِ مَالٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ الْمَالَ بُدِئَ بِاَلَّذِي أُعْتِقَ بِغَيْرِ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ في الثُّلُثِ فَضْلٌ لَا يَسَعُ الْبَاقِيَ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: إمَّا أَمْضَيْتُمْ لِهَذَا مَا قَالَ الْمَيِّتُ وَإِمَّا أَعْتَقْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا رَأَيْتُ أَنْ يَتَحَاصَّا في الثُّلُثِ إذَا عَجَّلَ الْمُوصَى لَهُ بِعِتْقِهِ بِمَالٍ يُؤَدِّيهِ إذَا عَجَّلَ الْمَالَ، لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ وَأَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ آخَرَ إلَى شَهْرٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَرُبَ هَكَذَا رَأَيْتُ أَنْ يَتَحَاصَّا جَمِيعًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْتُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْمُبَتَّلِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ مُبْدَأٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَالٌ وَيُعْتَقَ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِحَجٍّ وَبِعِتْقِ رَقَبَةٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةٌ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: الرَّقَبَةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ عِنْدَنَا أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ.
وَقَدْ قَالَ أَيْضًا، إنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ.
وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَأَوْصَى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ تَحَاصَّا، وَإِذَا أَوْصَى بِمَالٍ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ تَحَاصَّا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ الرَّقَبَةَ وَبَعْضَ الْحَجِّ وَلَا يَحْمِلُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ بِلَادِهِ، وَلَكِنْ يَحْمِلُ بَقِيَّةُ الثُّلُثِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِبَقِيَّةِ الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ مَا بَلَغَ أَنْ يُحَجَّ بِهِ عَنْهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يُوصِي أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُهُ إلَّا مَا يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ: أَرَى أَنْ يُنَفَّذَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا رَأْيِي أَنْ تُنَفَّذَ وَصِيَّتُهُ إذَا أَوْصَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَلَا أَرَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ.
قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فيحُجَّ عَنْ أَبِيهِ؟
قَالَ: نَعَمْ هَذَا لَمْ يَزَلْ قَوْلَهُ وَكَانَ يَقُولُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ أَوْصَى بِثَلَاثِينَ دِينَارًا في رَقَبَةٍ تُعْتَقُ عَنْهُ، وَأَوْصَى بِثَلَاثِينَ دِينَارًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، وَأَوْصَى بِثَلَاثِينَ دِينَارًا لِلْغُزَاةِ، فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ رَبِيعَةُ: يَتَحَاصُّونَ في الثُّلُثِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوْصَى في رَقَبَةٍ تُشْتَرَى فَتُعْتَقُ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْوَصِيَّةُ في الرِّقَابِ كَنَحْوِ الْمَمْلُوكِ في يَدَيْهِ يُعْتِقُهُ.
وَالْمَمْلُوكُ إذَا أَعْتَقَهُ صَاحِبُهُ في وَصِيَّتِهِ وَكَانَ الْعَوْلُ في الْوَصَايَا، فَإِنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَوْلِ كَانَ مَمْلُوكًا، كُلُّهُ في حُرْمَتِهِ، وَأَمْرُهُ إنْ دَخَلَ في رَقَبَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ كَانَ مَمْلُوكًا.
وَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ وَأُدْخِلَ الْعَوْلُ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الثَّمَنِ وَيُبَاعُ بِمَا بَقِيَ فَتَتِمُّ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ رَقَبَتِهِ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ، وَأُعِينَ بِمَا بَقِيَ في رَقَبَةٍ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الثَّمَنُ رَقَبَةً تُعْتَقُ عَنْهُ.

.في الرَّجُلِ يُوصِي بِوَصَايَا وَبِعِتْقِ عَبْدِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ في مَرَضِهِ أَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ يَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ مُبْدَأٌ، وَإِنْ أَوْصَى أَنْ تُشْتَرَى رَقَبَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ أَيْضًا مُبْدَأَةٌ، مِثْلُ مَا يَقُولُ اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَأَعْتِقُوهُ.
وَإِنْ أَوْصَى بِدَنَانِيرَ في رَقَبَةٍ فَهُوَ يُحَاصُّ أَهْلَ الْوَصَايَا وَلَا يُبْدَأُ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِوَصَايَا وَبِعَتَاقَةٍ بُدِئَ بِالْعَتَاقَةِ.
رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشُرَيْحٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ وَبِصَدَقَةٍ، أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْعَتَاقَةِ قَبْلَ الصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، فَمَا فَضَلَ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ كَانَ فيمَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَيْوَةَ بْنَ شُرَيْحٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي السَّكَنُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ رَجُلٍ يُوصِي بِوَصَايَا كَثِيرَةٍ وَعَتَاقَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقَةِ.
قَالَ: وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.

.في الْمُوصِي يُقَدِّمُ في لَفْظِهِ وَيُؤَخِّرُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَيِّتَ إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا فَقَدَّمَ في اللَّفْظِ بَعْضَهَا قَبْلَ بَعْضٍ، هَلْ يَنْظُرُ في لَفْظِهِ فيقَدِّمُ مَا قَدَّمَ بِلَفْظِهِ في الثُّلُثِ، أَمْ يَنْظُرُ إلَى الَّذِي هُوَ أَوْكَدُ فيقَدِّمُهُ في الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ لَفَظَ بِهِ وَتَكَلَّمَ بِهِ في آخِرِ الْوَصَايَا؟
قَالَ: نَعَمْ، إنَّمَا يُنْظَرُ في هَذَا إلَى الْأَوْكَدِ فيقَدَّمُ في الثُّلُثِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ في آخِرِ الْوَصَايَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى لَفْظِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى فَقَالَ ابْدَءُوا بِكَذَا ثُمَّ كَذَا، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَا قَالَ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُبْدِهِ الْمَيِّتُ هُوَ أَوْكَدُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ في الثُّلُثِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ قَدَّمَ غَيْرَهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ اشْتَرُوا لِي غُلَامًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَأَعْتِقُوهُ مُبْدَأً وَأَعْتِقُوا فُلَانًا لِعَبْدٍ لَهُ بِعَيْنِهِ، فَهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِعَيْنِهِ يُبْدَأُ هَهُنَا عَلَى الَّذِي بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بَدَأَهُ، وَلَوْ لَمْ يُبْدِهِ الْمَيِّتُ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ لَكَانَ الْمُعْتَقُ بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِالثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِلْآخَرِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى لَفْظِهِ في الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يُبْدِيَهُ الْمَيِّتُ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ.
سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [سُورَةُ النِّسَاءِ] فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ مُبْدَأٌ عَلَى الْوَصَايَا تَمَّ كِتَابُ الْوَصَايَا الْأَوَّلُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْكُبْرَى وَيَلِيهِ كِتَابُ الْوَصَايَا الثَّانِي.

.كِتَابُ الْوَصَايَا الثَّانِي:

.في الرَّجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ وَيَشْهَدُ وَارِثَانِ بِعِتْقِ عَبْدٍ وَالْعَبْدُ هُوَ الثُّلُثُ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَا الرَّجُلِ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَشَهِدَ وَارِثَانِ مَنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنَّ وَالِدَهُمَا أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ في مَرَضِهِ وَالْعَبْدُ هُوَ الثُّلُثُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمَانِ بِجَرِّ وَلَائِهِ إلَيْهِمَا صُدِّقَا في ذَلِكَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ وَبُدِئَ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يُتَّهَمَانِ بِجَرِّ وَلَائِهِ لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ النِّسَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى النِّسَاءِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَصِيَّةِ جَائِزَةً.
وَإِنْ شَهِدَا وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَنْ الْوَرَثَةِ نِسَاءٌ، وَإِنَّمَا الْوَرَثَةُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ كُلُّهُمْ، فَأَرَى شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْعِتْقِ جَائِزَةً، وَيُبْدَأُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ الَّذِي شَهِدَا بِعِتْقِهِ لَيْسَ مِمَّنْ يُتَّهَمَانِ عَلَى جَرِّ وَلَائِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يُتَّهَمَانِ أَنْ يُبْطِلَا وَصِيَّةَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ إذَا كَانَ وَلَاءُ الْعَبْدِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْعِتْقِ يُرْغَبُ في وَلَائِهِ وَيُتَّهَمَانِ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا وَمَعَهُمَا نِسَاءٌ فَكَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمَانِ عَلَيْهِ في جَرِّ الْوَلَاءِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمَانِ عَلَيْهِ لِدَنَاءَتِهِ وَلَا يُتَّهَمَانِ عَلَى جَرِّ وَلَائِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَشَهَادَتُهُمَا مَعَ النِّسَاءِ وَمَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يُتَّهَمَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ في النِّسَاءِ وَهُوَ رَأْيِي في الْوَصِيَّةِ.

.الرَّجُلُ يُخْدِمُ عَبْدَهُ رَجُلًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَلَا مَالَ لَهُ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً لِرَجُلٍ غَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ في وَصِيَّتِهِ: يَخْدُمُ عَبْدِي فُلَانًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَتُجِيزُونَ، فَإِنْ أَبَوْا كَانَ ثُلُثَا الْعَبْدِ لِلْوَرَثَةِ رَقِيقًا وَثُلُثُهُ حُرًّا السَّاعَةَ وَسَقَطَتْ الْخِدْمَةُ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ وَالْعِتْقَ لَمَّا اجْتَمَعَا وَلَمْ تَتِمَّ الْوَصِيَّةُ فَقَطَعَ بِهِ لَهُمَا كَانَ الْعِتْقُ مُبْدَأً عَلَى الْخِدْمَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ سَنَةً - وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ أَوْ لَهُ مَالٌ - لَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يُسَلِّمُوا خِدْمَتَهُ سَنَةً ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَإِلَّا أَسْلَمُوا إلَيْهِ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ بَتْلًا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً؟
قَالَ: وَهَذَا وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إمَّا أَسْلَمُوا إلَيْهِ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَإِمَّا قَطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ إذَا أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ قُطِعَ لَهُ فيهِمَا، وَإِذَا كَانَ خِدْمَةً أَوْ سُكْنَى فَلَمْ يُجِيزُوا قَطْعًا لَهُ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ.
وَهَذَا قَوْلُ الرُّوَاةِ كُلِّهِمْ، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا أَوْصَى فيهِ أَوْ لَهُ مَالٌ، لَا يُخْرِجُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ قَوْلِهِمْ.

.فيمَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ سَنَةً أَوْ حَيَاتَهُ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ سَنَةً وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ أَوْ لَا يَحْمِلُهُ؟
قَالَ: إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَالْخِدْمَةُ مُبْدَأَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَأَرَى أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ، فيخْدُمُ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ الْخِدْمَةُ السَّنَةَ إنْ كَانَ الَّذِي حَمَلَ الثُّلُثُ النِّصْفَ خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمًا وَخَدَمَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَوْمًا، حَتَّى إذَا مَضَتْ السَّنَةُ كَانَ نِصْفُهُ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ بَتْلًا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا قَوْلُ الرُّوَاةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فيهِ اخْتِلَافًا إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ.
قُلْت: فَلَوْ هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَقَدْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ وَلِآخَرَ بِرَقَبَةِ الْآخَرِ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا سِوَاهُمْ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَنْفِذُوا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ، فَإِنْ أَبَوْا قِيلَ لَهُمْ: فَابْرَءُوا مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا يَتَحَاصُّونَ فيهِ أَهْلَ الْوَصَايَا بِقَدْرِ وَصَايَاهُمْ.
قُلْت: وَكَيْفَ يَتَحَاصُّ هَذَانِ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ حَيَاتَهُ فَإِنَّهُ يُعْمَرُ هَذَا الْمُخْدَمُ فينْظَرُ مَا تُسَاوِي في الْخِدْمَةِ حَيَاتُهُ عَلَى غَرَرِهَا، أَوْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَلَّهُمَا تَعْمِيرًا، وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِلْآخَرِ، فيتَحَاصَّانِ في ثُلُثِ الْمَيِّتِ، هَذَا بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَهَذَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ.
قُلْت: أَفيكُونُ لِلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ قِيمَةَ خِدْمَتِهِ بَتْلًا مَنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ يُحَاصُّ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَيَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ في الْخِدْمَةِ أَنَّهَا تَقُومُ عَلَى غَرَرِهَا؟
قَالَ: عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ أَنَّهُ يُؤَاجَرُ إلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ قِيلَ لَهُمْ: بِكَمْ يُتَكَارَى هَذَا الْعَبْدُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ هَذَا الرَّجُلِ إنْ حَيِيَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِنْ مَاتَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّكُمْ وَيُحَاصُّ لَهُ بِأَقَلِّهِمَا تَعْمِيرًا، الْمُخْدَمُ أَوْ الْعَبْدُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ أَوْصَى في مَسْأَلَتِي الَّتِي سَأَلْتُكَ عَنْهَا مَعَ ذَلِكَ بِالثُّلُثِ أَيْضًا؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَجِيزُوا الْوَصِيَّةَ وَإِلَّا فَأَخْرِجُوا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا، فيكُونُ بَيْنَ أَهْلِ الْوَصَايَا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ في الثُّلُثِ بَتْلًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَالثُّلُثُ لَا يَحْمِلُ الْعَبْدَ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَجِيزُوا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ، فَإِنْ أَبَوْا قِيلَ لَهُمْ: فَابْرَءُوا مِنْ ثُلُثِهِ، فيكُونُ ثُلُثُهُ في الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ، فيخْرِجُ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَبْلَغَ ثُلُثِ الْمَيِّتِ فيعْطَاهُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ، فيخْدُمُهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ الْعَبْدِ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ نِصْفَهُ خَدَمَهُ يَوْمًا وَخَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمًا.
لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا حِصَّتَهُمْ وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهَا مَا شَاءُوا، فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ الْخِدْمَةِ إنْ كَانَتْ إلَى سِنِينَ - وَقَّتَهَا الْمَيِّتُ - أَوْ إلَى مَوْتِ الْمُخْدَمِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ رَجَعَ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الْمَيِّتُ الرَّقَبَةَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ بَعْدَ خِدْمَةِ الْمُخْدَمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْخِدْمَةُ وَوَصِيَّةُ الرَّقَبَةِ في عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَالْخِدْمَةُ مُبْدَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ اُخْدُمْ فُلَانًا كَذَا وَكَذَا سَنَةً أَوْ حَيَاتَهُ ثُمَّ أَنْتَ بَعْدَهُ لِفُلَانٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ، فَقُلْت: الْخِدْمَةُ مُبْدَأَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ، أَرَأَيْتَ إذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ وَقَدْ كَانَ - يَوْمَ قَاسَمَ الْوَرَثَةُ أَهْلَ الْوَصَايَا - كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الثُّلُثَ، أَيُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَوَّمَ الْيَوْمَ أَيْضًا إذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ لِيُعْرَفَ أَهُوَ ثُلُثُ الْمَيِّتِ أَمْ لَا إذَا أَرَدْت أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى هَذَا الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَا اجْتَمَعَا جَمِيعًا في هَذَا الْعَبْدِ وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُمَا فيهِ وَأَسْلَمَ إلَيْهِمَا يَوْمئِذٍ وَهُوَ مَبْلَغُ الثُّلُثِ، فَلَا أُبَالِي أَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ نَقَصَتْ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلِآخَرَ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ حَيَاتَهُ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَكَانَ الْعَبْدُ كَفَافَ الثُّلُثِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُعْمَرُ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالْخِدْمَةِ حَيَاتَهُ، أَوْ الْعَبْدُ إنْ كَانَ أَقْصَرَهُمَا تَعْمِيرًا فيمَا يَرَى النَّاسُ، فينْظَرُ كَمْ ذَلِكَ، فَتُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ تِلْكَ السِّنِينَ ذَهَبًا ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ هُوَ وَصَاحِبُ الْمِائَةِ في خِدْمَةِ الْعَبْدِ، فَإِذَا هَلَكَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَالثُّلُثُ سَوَاءً.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ في وَصِيَّتِهِ: لِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ، وَلِفُلَانٍ خِدْمَةُ عَبْدِي هَذَا حَيَاتَهُ، وَلِفُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ أَيْضًا رَقَبَةُ الْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ حَيَاتَهُ، وَالثُّلُثُ لَا يَحْمِلُ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ؟
قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَسْلِمُوا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ وَأَجِيزُوهَا، فَإِنْ أَبَوْا قِيلَ لَهُمْ: ابْرَءُوا مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ، فيتَحَاصُّونَ في الثُّلُثِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَلَا يَضْرِبُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ إلَّا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، لَا يَضْرِبَانِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ وَصِيَّتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ.
فينْظُرُ مَا صَارَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ في الثُّلُثِ، إذَا حَاصَّا صَاحِبَ الْمِائَةِ أَخَذَا ذَلِكَ في الْعَبْدِ، فيخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يُبْدَأُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا صَارَ الْعَبْدُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَيَكُونُ صَاحِبُ الْمِائَةِ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِمَبْلَغِ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ في جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ وَفيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ في أَيْدِي الْوَرَثَةِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ.
قُلْت: وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، الَّتِي قَالَ فيهَا الْمَيِّتُ: يَخْدُمُ عَبْدِي فُلَانًا حَيَاتَهُ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا تُشْبِهُهَا وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ، لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِعِتْقِهِ بَعْدَ الْخِدْمَةِ لَيْسَ هَهُنَا مَالٌ، إنَّمَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِخِدْمَةٍ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ.
فَإِنَّمَا يُعْمَرُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فيشْرَعُ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ في الثُّلُثِ بِمَبْلَغِ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ الَّتِي أُوصِيَ لَهُ بِهَا، وَهَذَا الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ أَوْصَى الْمَيِّتُ هَهُنَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِخِدْمَتِهِ،
فَرَقَبَةُ الْعَبْدِ هَهُنَا في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقِيمَةُ الْخِدْمَةِ إنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، لَا يَضْرِبُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا إلَّا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، فَمَا خَرَجَ لَهُمَا مِنْ الْعَبْدِ في الْمُحَاصَّةِ مِنْ الثُّلُثِ بَدَأَ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ رَجَعَ مَا كَانَ مِنْ الْعَبْدِ في الْخِدْمَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَلَا يُعْمَرُ الْمُخْدَمُ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُعْمَرُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي فيهَا الْعِتْقُ.
قُلْت: وَفي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَبِخِدْمَتِهِ مَا عَاشَ لِفُلَانٍ، وَبِمِائَةِ دِينَارٍ لِفُلَانٍ، لِمَ لَمْ يَبْدَأْ مَالِكُ الْعِتْقِ عَلَى الْمِائَةِ، وَعَلَى الْخِدْمَةِ وَالْعِتْقُ مُبْدَأٌ عَلَى الْوَصَايَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا لَمْ يَسْقُطْ، وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ هَهُنَا إلَّا إلَى الْأَجَلِ الَّذِي جُعِلَ عِتْقُهُ إلَيْهِ - وَهُوَ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَيْهِ الْخِدْمَةُ - فيتَحَاصُّ صَاحِبُ الْمِائَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ في تِلْكَ الْخِدْمَةِ، فَتَكُونُ خِدْمَةُ الْعِتْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الثُّلُثَ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ خَرَجَ الْعَبْدُ حُرًّا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ حُجَّةٌ في الْعِتْقِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ إنَّمَا هُوَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ لَا يَحْمِلُ جَمِيعَ الْعَبْدِ وَأَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ، عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ مَبْلَغُ الثُّلُثِ بَتْلًا وَسَقَطَتْ الْوَصَايَا - بِالْخِدْمَةِ وَغَيْرِ الْخِدْمَةِ - لِأَنَّ الْوَصَايَا حَالَتْ وَرَجَعَتْ إلَى الْمُحَاصَّةِ، فَكَانَ الْعِتْقُ حِينَئِذٍ مُبْدَأً عَلَى مَا سِوَاهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ في وَصِيَّتِهِ: عَبْدِي يَخْدُمُ فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ شَيْئًا مَنْ السِّنِينَ، وَأَوْصَى أَنَّ رَقَبَتَهُ لِفُلَانٍ - لِرَجُلٍ آخَرَ - وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بَعْدِهِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهَذَا، أَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ هَهُنَا بِالْخِدْمَةِ، إنَّمَا هِيَ حَيَاةُ الْمُخْدَمِ فَقَطْ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ إذَا مَاتَ الْمُخْدَمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا في شَيْءٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى وَجْهَيْنِ الَّذِي سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ: إمَّا أَنْ يَقُولَ غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا عَشْرَ سِنِينَ، أَوْ يَقُولَ: حَيَاةَ الْمُخْدَمِ.
فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُخْدَمُ أَوْ انْقَضَتْ الْعَشْرُ سِنِينَ فَهُوَ لِفُلَانٍ، فَهَذَا الَّذِي تَعْرِفُ.
وَأَمَّا إذَا جَعَلَ لِوَاحِدٍ خِدْمَتَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ، وَجَعَلَ لِآخَرَ رَقَبَتَهُ، فَأَرَى أَنْ يَتَحَاصَّا، تُقَوَّمُ الرَّقَبَةُ وَتُقَوَّمُ الْخِدْمَةُ عَلَى غَرَرِهَا حَيَاةُ الَّذِي أَخَدَمَ، ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ فيهَا جَمِيعًا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَدَمَ رَجُلًا عَبْدًا إلَى أَجَلٍ مَنْ الْآجَالِ، فَمَاتَ الْمُخْدَمُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُ وَرَثَةَ الْمُخْدَمِ بَقِيَّةَ الْأَجَلِ إذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ، لَيْسَ مِنْ عَبِيدِ الْحَضَانَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرِجَالٍ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْت خِدْمَةَ هَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ، ثُمَّ مَاتَ الَّذِي أَخَدَمَ، كَانَ لِوَرَثَتِهِ خِدْمَةُ هَذَا الْعَبْدِ مَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ، يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ في مَقَالَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ حَيَاةَ الْمُخْدَمِ، سَحْنُونٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا أَوْصَى في عَبْدٍ يَخْدُمُ فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ شَيْئًا مِنْ السِّنِينَ، وَأَوْصَى بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ وَاحِدَةٌ في الْعَبْدِ، فَالْخِدْمَةُ هِيَ حَيَاةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرِجَالٍ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ وَهَبْت خِدْمَةَ هَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ، فَإِنَّمَا هِيَ حَيَاةَ فُلَانٍ، وَلَوْ كَانَ أَرَادَ حَيَاةَ الْعَبْدِ لَكَانَتْ الرَّقَبَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْخِدْمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْجِعٌ إلَى سَيِّدِهِ فَقَدْ أُثْبِتَتْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ.